نجيب ميكو

في هذه الأيام الاستثنائية التي يتوالى فيها، في تصالح مع براهين التاريخ التي لا تمحى، بعد تلكئ طويل، الدعم القوي والصريح لدول عظمى لحل الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية الذي تقدم به بلدنا منذ 2007 أمام الأمم المتحدة، يغمرني أمل غير سادج في أن يستعيد حكام الجزائر ذاكرتنا المشتركة المشرقة الزاخرة، من أجل تجاوز الأحقاد والضغائن والهلاوس الواهية البالية التي تعطل طموحاتنا المشتركة إقليميا وجهويا وقاريا ودوليا، حتى ينخرطوا بحسن نية في الدينامية السياسية الدولية الراهنة بشأن أقاليمنا الجنوبية، كما ويسرعوا بالمساهمة الإيجابية والفعالة في بناء مستقبل مشترك لكل أبناء وبنات مغرب عربي كبير يسوده الانسجام والازدهار كحق مشروع هو اليوم في متناول دولنا وشعوبنا.

أتمنى صادقا ألا تكون السياسة الرديئة القذرة قد أدخلت ذاكرة وذكاء ومشاعر حكام الجزائر في غرفة تجميد سالب شلت كل قدراتهم، بل ويتسرب سقيعها الآن إلى قلوبهم أيضا.

إلى حين أن تكشف لنا الأيام والأسابيع القليلة القادمة عما سيقرره هؤلاء الحكام بهذا الشأن، أود إخبار أجيال الشعب الجزائري الشقيق لما بعد خيانة 1975، التي تم شحنها بالأكاديب والأحقاد والترهات ضد بلدنا، أن التاريخ الكوني يقر بأن المغرب كان القاعدة الصلبة الصامدة والسند القوي اللامشروط لمقاومتكم الوطنية المجاهدة الباسلة من أجل استقلال بلدكم، وأن دماءنا لم تمتزج مع بعضها فقط في خنادق الجهاد المشترك من أجل مقاومة وطرد المستعمر من بلدكم، بل أيضا في أرحام أمهاتنا وأمهاتكم، وأن المغرب كان على الدوام الحضن الحاتمي الدافئ لأجدادكم وآبائكم وحكامكم في كل ربوع المملكة، وكان المنبع والامتداد الطبيعي لمجتمعكم وثقافتكم وتقاليدكم.

حكامكم أنكروا على رفيق خندق مقاومتهم ضد الإستعمار حقه الطبيعي هو أيضا في أن يستعيد عبر مسيرته الخضراء السلمية لسنة 1975، أقاليمه الجنوبية التي كانت مستعمرة، لسبب دنيء هو أن يغرقوه ويستنزفوا مقدراته وكل طاقاته في قضية وهمية حاكوها وحبكوها في دهاليز تكناتهم حتى ينشغل عن استرجاع أقاليمه الشرقية الشاسعة التي أقحمها المستعمر إقحاما وعنوة داخل حدود بلدكم الذي كان يعتبره جزء لا يتجزأ من بلده، والتي كان مقررا بين إخوة الجهاد أن يستعيدها بلدنا بمجرد استقلال بلدكم حتى ينصب كل جهد المغرب والجزائر في تلك المرحلة الفارقة، على أولوية استعادة استقلال الجزائر ولا شيء غير ذلك.

إلا أن هذه المناورة-المؤامرة المبيتة انقلبت عندنا إلى محفز استنهض وحشد مزيدا من الهمم في ثورة ملك وشعب جديدة متجددة ولودة أنجبت وشيدت الكثير من مجرد نزر يسير، إذ لا بترول ولا غاز لدينا. فأصبح بلدكم الثاني رغم كل معاكسات حكامكم المتوالية، مهد الإنجازات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي هي اليوم بادية أمام أنظار العالم وسيستعصي على حكامكم التمادي في حجبها عنكم أو التشويش عليها بادعاءات مغرضة حاقدة حاسدة لن تغير شيئا من الواقع المرئي.

حكامكم نقضوا عهدهم ولم يرقوا إلى سمو إدراك أن الهدف الأوحد والأغلى من الإنصهار الإرادي الكلي بين شعبينا وبلدينا ما كان من جانبنا إلا لأن نجعل من كل مغربنا جزائركم ومن كل جزائركم مغربنا.

إن هذه الأحاسيس الصادقة المتوهجة التي تتوارثها وتنبض بها قناعات أجيالنا الجديدة في المغرب يجب أن تكون قلادة لا ينبض بريقها في أعناقكم أيضا حتى تحملوا معا شعلة تحقيق طموحاتنا المشتركة في أن تكونوا أنتم أيضا أداة الإرتقاء الجماعي ببلدينا وبمنطقتنا وقارتنا وليس ضحية معول الهدم الممنهج الحاقد لعسكرييكم.