1- تبدو الكلفة الاقتصادية لكورونا بلا حدود، وحتى اليوم مع التلقيح لا نعلم ما هي الانعكاسات القادمة لهذا الفيروس على الاقتصاد العالمي.. كيف يبدو لكم الأمر حتى اليوم؟

إن كان العالم يعرف بالضبط من أين ومتى انطلق الكورونافيروس، فبعد عام وأربعة أشهر على بداية هذا الوباء الذي اكتسح العالم بسرعة مذهلة، لا يدري أحد إلى حد هذه اللحظة، عالما أو قائدا سياسيا كان، متى سينتهي هذا الكابوس ليعود العالم إلى وضعه الطبيعي. بل إن كل ما تقوم به كل الدول منذ بدء الوباء هو اجتهاد وفي بعض الأحيان ارتجال يومي من أجل محاولة فهم هذا الذي يقع والحد من اكتساحه الجارف ومن تأثيراته البشرية والاقتصادية والاجتماعية المدمرة وغير المسبوقة في تاريخ البشرية. وإن كان بلدنا قد استثمر الأسابيع القليلة التي سبقلت وصول هذا الفيروس القاتل الذي يعبر القارات والحدود دون استئذان أحد، في عملية استباقية متميزة على الصعيد الدولي ووفر التنظيم المحكم والوسائل المالية الضرورية في ضرف جد وجيز لرأب بعض من المخلفات الفضيعة للوباء، وهو اليوم يبهر العالم بحملة التلقيح التي لا يعرقل مسيرتها الموفقة مع كامل الأسف إلا التأخر في وصول الكميات المبرمجة من اللقاحات بسبب التهافت الدولي عليها، فإن كل هذا لن يكفي مع الأسف لكي تتوضح لنا الرؤية على مدى الآتي من الأسابيع وذلك لسببين على الأقل :الأول هو أنه في ظاهرة وبائية غير مسبوقة لا يكفي أن يكون المغرب صحيا بخير لكي تعود الأمور إلى نصابها على المستوى الاقتصادي، بل يجب ان يتعافى في نفس الوقت كل محيطه المباشر وكل المتعاملين الدوليين معه، لأننا بصدد عدوى عابرة للبلدان فما يفيدنا لو كنا بخير وكان مزودونا وزبناؤنا في ورطة صحية وفي بركان اقتصادي يربك كل آلياتهم الإنتاجية لكي يزودونا بكل ما نحتاج وكل قدراتهم الاستيرادية لكي يشتروا منا ما ننتج ونصدر؟والثاني أن بلدنا لن يكون صحيا بخير بشكل تام إلا إذا تم تلقيح 80% من ساكنته القابلة لحمل الفيروس والإضرار به والتي تقارب 27 مليون نسمة، مما يستوجب توفر اللقاحات الكافية التي يجب أن تتجاوز 55 مليون لقاح على شكل جرعتين، مثلما يستوجب الإستمرار في الإحترام التام لكل الشروط الوقائية والإحترازية من استعمال الكمامات واحترام التباعد الاجتماعي والتقيد بتعقيم اليدين، في الفترة ما بين هذا اليوم الذي بلغنا فيه مستوى 18% من تلقيح الساكنة المستهدفة ويوم توصلنا إلى تلقيح كل النسبة الضرورية من ساكنتنا. فالتحدي المزدوج اليوم هو أن ننجح  في بلوغ المناعة الجماعية في بلدنا وفي نفس الآن هو أن يتعافى محيطنا الدولي. متى يمكن ان نبلغ هذا المبتغى؟ إنه السؤال المحير الذي يحبس أنفاس ويؤرق العالم أجمع بكل علمائه وقادته السياسيين وفاعليه الاقتصاديين والاجتماعيين وكل شعوبه. 

2- ما هي النجاعة التي مثلها صندوق كورونا للتضامن الذي أحدثه الملك وماذا كان سيكون عليه الأمر في الاقتصاد الوطني بدون هذا الصندوق؟

إن الصندوق الذي أنشأه جلالة الملك خلال الأيام الأولى من ظهور الجائحة في بلدنا هو أولا يحسب لجلالته من أهم التدابير الاستباقية التي قررها وأعطى انطلاقتها ودبرها بحكمة وفعالية أبهرت كل المغاربة أولا ثم العالم بأكمله. لنسم الأشياء بمسمياتها ودون عقد ولا حرج، بل بكل ثقة وافتخار : بلدنا ليس دولة غنية ولا بترولية ولا قوة اقتصادية ضاربة بل إنه يعاني من نقائص لا تخفى على أحد تتمثل في قطاع صحي ضعيف ما دام الأمر هنا يتعلق بوباء، وفي إدارة تعاني من شدة البيروقراطية ما دمنا بصدد ضرورة الإعتماد على مواردنا البشرية لتدبير الوباء ومخلفاته في شتى الميادين. الذي فاجأنا جميعا وأثلج الصدر وأعطى الشعور القوي لمواطنينا بكل الإطمئنان والإعتزاز ببلدهم، هو أن هذا البلد بكل ما لا يملكه وكل نقائصه استطاع تحت الريادة المباشرة لجلالة الملك أن ينتقل بل أن يتحول في وقت جد وجيز إلى واقع جديد يتمثل في فعالية بشرية ومعلوماتية غير مسبوقة على مستوى كل المرافق المعنية، وإلى تنظيم جد محكم لكل التدخلات العمومية وإلى توعية وإخبار نوعيين للمواطنين، وإلى استجابة فورية لقرار جلالة الملك بإنشاء الصندوق بملايير الدراهم من طرف الموسرين أولا ثم من طرف كل المتطوعين في إطار حملة تضامنية ناذرة. كل هذا التحول الباهر وفر كل شروط التلاحم الشعبي وراء جلالة الملك لتحمل الآلام بسبب الوفيات والاستجابة العفوية لكل القرارات المتخدة رغم قساوة بعضها. وقد سمحت الأموال الكثيرة التي تم جمعها في صندوق كورونا بالاستجابة للحاجيات الضرورية لقطاع الصحة من آليات وتجهيز فضاءات جديدة لاستقبال المرضى، كما وبمساعدة كل الأسر التي تضررت كثيرا من مخلفات الجائحة بسبب فقدان الشغل أو مورد الرزق، كما وبدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل أن تهون عليها بكل الوسائل الممكنة، ثقل الأزمة التي باغثتها والتي هددت الشغل والإنتاج والتسويق والتوازن المالي بها. مما جعل من صندوق كورونا أداة فعلية وفعالة للحفاظ على كرامة المواطنين ولتخفيف حدة الدمار الجارف الذي سببته الجائحة عبر سائر أنحاء العالم دون أن تستثني أحدا مهما كبرت أو صغرت قوته الاقتصادية ووسائله المالية.وإن الحكمة التي دبرت بها هذه الجائحة على كافة الأصعدة وفي كل تفاصيلها قد أظهرت لكل المغاربة وللعالم أن بالمغرب ريادة كاريزمية وحكيمة ومتنورة ومتبصرة وقريبة من نبض وحاجيات شعبها، وأن المغرب دولة تتوفر على كل مقومات القوة والمصداقية كبلد وكشريك سياسي واقتصادي، بمؤهلاتها وكفاءاتها البشرية الضخمة وبانضباط كل أطقم الدولة وراء الريادة والقيادة المتبصرة لجلالة الملك وأن كورونا التي اربكت دولا عظمى قد كانت عندنا محفزا استثنائيا لاستنهاض الهمم، ولاكتشاف قدراتنا الحقيقية، وللتشبث بالتلاحم والتكافل الاجتماعي مهما كلف الأمر من وسائل مالية، وللمساهمة الجماعية في رفع التحدي الخارجي غير المسبوق، بإيثار ووطنية يثلجان الصدر. ودون أي تهويل ورغم كل ما أصاب بلدنا من مصاب أليم في بناته وأبنائه شهداء كورونا، ومن أضرار اجتماعية قاسية وخسائر اقتصادية فاذحة ورغم كل ما قد يأتي في الأيام والأسابيع القادمة والذي لا نتمناه، من خسائر إضافية، فإن بلدنا قد تمكن لحد الآن من إنقاد عشرات الآلاف من المواطنين من موت محقق ومن إنقاد مئات الآلاف من الأسر من ضنك العيش وعشرات الآلاف من المقاولات من الإفلاس ومئات الآلاف من العمال والعاملات من البطالة والتشرد. 

3ـ إلى متى سيصمد الاقتصاد المغربي مع تمديد الإغلاق وحالة الطوارئ حتى اليوم؟

كما أشرت وأكدت فقد مر الإقتصاد الوطني من ضروف صعبة جدا جعلت الناتج الداخلي الخام ينزل خلال سنة 2020 إلى ما يناهز 8-%، كما ونزلت بكل ثقلها على نسبة عجز الميزانية التي تجاوت 10%، ورفعت عدد العمال المسرحين إلى ما يفوق المليون عاملا، وأوقفت بشكل شبه تام قطاع السياحة الاستراتيجي والمذر للشغل المكثف وللعملة الصعبة، وأضرت بعمق بقطاع النقل الجوي، ونالت من قطاعات وأنشطة اقتصادية واجتماعية عديدة جدا مست في الصميم دخل شرائح واسعة من المواطنين. مثلما انخفض الطلب الدولي لعدد كبير من سلعنا وخدماتنا بكل ما لهذا الانخفاض من وقع مباشر على الحركية الاقتصادية والشغل والعملة الصعبة بشكل خاص. إلا أن اقتصادنا الذي ينشط في دولة ليست بترولية ولا غنية ولا تعد قوة اقتصادية ضاربة، والذي كان يعاني قبل جائحة كورونا من مستوى متدني من النمو، لم ينهر بل رغم كل ما حل به، لا زال يقاوم بل ويتصيد في ذروة الجائحة، الفرص التجارية على المستوى الدولي ويستغل ضروف الأزمة لتحسين تنظيمه وكفاءته في مجالات مختلفة. هذا علاوة على كون قطاعنا البنكي الذي تميز على الدوام بقوته ومصداقيته، والذي يعد قطب الرحى في كل حلول الخروج من الأزمة، قد أبان على أن قوته فعلية وأن احترافيته لا مجال للشك فيها اوتبخيصها. إلا أن هذه الاستماثة الجماعية لفاعلينا الاقتصاديين وكل ما رافقها ويرافقها من مواكبة من طرف دولة حاضرة بقوة ومبادرة وسريعة الاستجابة، تبقى رهينة بالإنتعاش الضروري لاقتصاديات الدول التي نتعامل معها كمصدرين حتى ينتعش طلبهم لمنتوجاتنا. وهذا مع الأسف لم يتوضح بعد، ما دمنا نلاحظ ونقرأ ونسمع يوميا الجهد المالي بآلاف الملايير من الدولارات، الذي تضخه هذه الدول في اقتصاداتها إلا أن المؤشرات الحقيقية لانتعاشة اقتصادية لديهم لم تظهر بعد وتبقى كل الأرقام التي تدل على الانطلاق محتشمة لحد الآن. 

4- هل يمكن أن نتوقع انفراجا في الصيف القادم؟ وما الذي يمكن أن نستند عليه لهذا الانفراج ؟

أؤكد هنا مرة أخرى أن الانتعاش الاقتصادي الدولي والوطني رهين بالانفراج الصحي الذي يتأخر عن الحدوث عندنا وعند كل الدول المعنية لكل الاعتبارات التي ذكرتها. بل إننا نعيش منذ بضعة أيام على وقع دخول العالم في الموجة الثالثة للوباء والتي يتنبأ بعض العلماء بأنها ستكون أشد وقعا صحيا واقتصاديا واجتماعيا. إلا أنني أخالف كليا هذا الرأي رغم عدد الإصابات والوفيات التي أصبحت تهطل على رؤوسنا من دول أوربية وأمريكية مختلفة، إذ أنني متفائل بالمستقبل القريب على أساس  أن يتم التأكد علميا بأن اللقاحات المستعملة تقضي حتى على الأشكال المتحولة للفيروس، وأن تتوصل المختبرات إلى بلوغ ذروة إنتاج اللقاحات المعتمدة، وأن تصل الدول إلى السرعة القصوى في تلقيح ساكنتها لبلوغ المستوى الذي يؤهل للمناعة الجماعية. وهذا يمكن أن يحصل متم شهر يونيو عندنا في المغرب وما بين شهري يوليوز وشتنبر في معظم الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية قوية. فالرهان الآن هو أن يبقى الاقتصاد العالمي واقتصادنا الوطني صامدين إلى حين تحقيق المناعة الجماعية. واعتبارا للطريقة المحكمة التي تمر بها عملية التلقيح في بلدنا تحت القيادة المباشرة لجلالة الملك والتي تشرف المغرب وتشرف طاقاته البشرية العالية الكفاءة والوطنية، واعتبارا للوعود المؤكدة بتوصل بلدنا بكميات كبيرة من اللقاحات ابتداء من هذه الأيام، أترقب صيفا أحسن بكثير إن شاء الله، للمغاربة حيث ستفتح طرق العودة إلى الشواطئ والمدن السياحية، كما أترقب وصول الأفواج الأولى الكثيفة من السياح الأجانب الذين استفادوا في بلدانهم من عملية التلقيح. ومن شأن هذا الاستشراف الواقعي الذي يقوم أساسا في مرحلة أولى على الطلب الداخلي، أن يدفع بعجلتنا الاقتصادية خطوات إلى الأمام خلال الفصل الثالث من السنة، في انتظار عودة كل شروط الانتعاش الاقتصادي مع نهاية فصل الصيف لدى شركائنا الاقتصاديين وبروز فرص جديدة في الاقتصاد العالمي ستمليها عولمة من جيل جديد واختيارات اقتصادية للدول تقوم على ضمان سلامة وسرعة التزود في السوق الدولية، والتي ستسمح لاقتصادنا بتحقيق نسبة نمو غير مسبوقة خلال الفصل الرابع والأخير من السنة الجارية واستغلال التموقعات التي هي الآن في طور التشكل والتي أبان بلدنا من خلال طريقة تدبيره للجائحة أنه مؤهل لأن يكون مخاطبا وشريكا ذا مصداقية في الاستفادة منها في المقبل من الأشهر والسنوات. ولعل هذا السيناريو هو ما ارتكز عليه البنك الدولي وبنك المغرب والحكومة المغربية للتنبؤ بنسبة نمو اقتصادي تقارب 5% خلال سنة 2021. وعلى كل، فإني أود أن أثير الانتباه هنا إلى أن الازمات رغم فذاحة وكارثية مخلفاتها، ولعلنا هنا أمام أزمة من هذا النوع، بل إنها ذات انعكاسات غير مسبوقة في تاريخ البشرية من حيث كونها أغلقت أبواب الاقتصاد العالمي برمته واوقفت معه العرض والطلب في نفس الآن، أقول رغم فذاحة وكارثية الازمات فإنني أعتبرها دائما وفي كل الأحوال ودون أي استثناء، فرصا لا نظير لها للنقد الذاتي ولإعادة تنظيم البيت الداخلي برؤيته واولوياته ووسائله وحكامته. فعلى بلدنا ألا يشكل استثناء في هذه الحقيقة التي تؤكدها كل الأزمات عبر كل الدول والأحقاب، وان يستثمر كل ذكائه وطاقاته المتوفرة وكل ما أبان عنه من قوة وحكمة وحكامة واستباق وتراص، من أجل تحويل الأزمة الحالية إلى فرصة لبناء طموحات جديدة في حجم تطلعات شعبنا وبلدنا، وعافية جديدة ورؤية جديدة ونموذج تنموي جديد ومقاربة جديدة هندسية عوض الحسابية المغالطة المثبطة لحجم وإلحاحية الانتظارات المشروعة، حتى يستطيع الانقضاض بكل قوة وذكاء على كل الفرص الداخلية والخارجية غير المسبوقة التي سيتيحها الانتعاش الاقتصادي العالمي وستحملها عولمة أقل ضررا على اقتصادنا كما وستحملها إعادة تشكل الاختيارات والبنيات الاقتصادية للدول في اتجاه التحكم أكثر في طرق وزمن التزود بحاجياتها. وستبرز العلامات الكبرى الفارقة لكل هذا بداية من الأشهر القليلة القادمة. إن عدونا المشترك اليوم ليس نذرة الأموال بل نذرة الزمن وعدم القدرة على التحلل من كل العقد البئيسة التي جعلتنا نتعايش مع واقع هو من صميم انحباس اختياراتنا الاقتصادية ومن صميم تشبثنا بقناعاتنا البالية المتجاوزة التي تغلق بصائرنا عن كل الممكنات خارج مربع صنعناه لأنفسنا فاغلق حولنا الآفاق. إن أزمة كورونا وطريقة تدبيرها من طرف جلالة الملك والتفاعل التام والبديهي لشعبنا مع جلالته في كل اختياراته وقراراته، قد عرت عن الحقيقة الكبرى والأهم في بلدنا ألى وهي أن لا شيء مستحيل علينا، وأن لا شيء في غير متناولنا، وأن التقدم الاقتصادي والعدالة الإجتماعية ممكننين عندنا نحن أيضا وأن لا حتمية مدمرة إلا الرداءة التي تعمي القلوب التي في الصدور. 

نجيب ميكو
خبير في الإستشراف والدراسات الاستراتيجية