في حوار أجراه نجيب ميكو الخبير في الاستشراف والدراسات الاستراتيجية، مع أسبوعية “الأيام” يوم 15 أبريل الأخير، كان جوابه على السؤال التالي كما يلي :

– هل يمكن أن نتوقع انفراجا في الصيف القادم ؟ وما الذي يمكن أن نستند عليه لهذا الانفراج ؟

أؤكد هنا مرة أخرى أن الانتعاش الاقتصادي الدولي والوطني رهين بالانفراج الصحي الذي يتأخر عن الحدوث عندنا وعند كل الدول المعنية لكل الاعتبارات التي ذكرتها. بل إننا نعيش منذ بضعة أيام على وقع دخول العالم في الموجة الثالثة للوباء والتي يتنبأ بعض العلماء بأنها ستكون أشد وقعا صحيا واقتصاديا واجتماعيا. إلا أنني أخالف كليا هذا الرأي رغم عدد الإصابات والوفيات التي أصبحت تهطل على رؤوسنا من دول أوربية وأمريكية مختلفة، إذ أنني متفائل بالمستقبل القريب على أساس  أن يتم التأكد علميا بأن اللقاحات المستعملة تقضي حتى على الأشكال المتحولة للفيروس، وأن تتوصل المختبرات إلى بلوغ ذروة إنتاج اللقاحات المعتمدة، وأن تصل الدول إلى السرعة القصوى في تلقيح ساكنتها لبلوغ المستوى الذي يؤهل للمناعة الجماعية. وهذا يمكن أن يحصل متم شهر يونيو عندنا في المغرب وما بين شهري يوليوز وشتنبر في معظم الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية قوية. فالرهان الآن هو أن يبقى الاقتصاد العالمي واقتصادنا الوطني صامدين إلى حين تحقيق المناعة الجماعية. واعتبارا للطريقة المحكمة التي تمر بها عملية التلقيح في بلدنا تحت القيادة المباشرة لجلالة الملك والتي تشرف المغرب وتشرف طاقاته البشرية العالية الكفاءة والوطنية، واعتبارا للوعود المؤكدة بتوصل بلدنا بكميات كبيرة من اللقاحات ابتداء من هذه الأيام، أترقب صيفا أحسن بكثير إن شاء الله، للمغاربة حيث ستفتح طرق العودة إلى الشواطئ والمدن السياحية، كما أترقب وصول الأفواج الأولى الكثيفة من السياح الأجانب الذين استفادوا في بلدانهم من عملية التلقيح. ومن شأن هذا الاستشراف الواقعي الذي يقوم أساسا في مرحلة أولى على الطلب الداخلي، أن يدفع بعجلتنا الاقتصادية خطوات إلى الأمام خلال الفصل الثالث من السنة، في انتظار عودة كل شروط الانتعاش الاقتصادي مع نهاية فصل الصيف لدى شركائنا الاقتصاديين وبروز فرص جديدة في الاقتصاد العالمي ستمليها عولمة من جيل جديد واختيارات اقتصادية للدول تقوم على ضمان سلامة وسرعة التزود في السوق الدولية، والتي ستسمح لاقتصادنا بتحقيق نسبة نمو غير مسبوقة خلال الفصل الرابع والأخير من السنة الجارية واستغلال التموقعات التي هي الآن في طور التشكل والتي أبان بلدنا من خلال طريقة تدبيره للجائحة أنه مؤهل لأن يكون مخاطبا وشريكا ذا مصداقية في الاستفادة منها في المقبل من الأشهر والسنوات. ولعل هذا السيناريو هو ما ارتكز عليه البنك الدولي وبنك المغرب والحكومة المغربية للتنبؤ بنسبة نمو اقتصادي تقارب 5% خلال سنة 2021. وعلى كل، فإني أود أن أثير الانتباه هنا إلى أن الازمات رغم فذاحة وكارثية مخلفاتها، ولعلنا هنا أمام أزمة من هذا النوع، بل إنها ذات انعكاسات غير مسبوقة في تاريخ البشرية من حيث كونها أغلقت أبواب الاقتصاد العالمي برمته واوقفت معه العرض والطلب في نفس الآن، أقول رغم فذاحة وكارثية الازمات فإنني أعتبرها دائما وفي كل الأحوال ودون أي استثناء، فرصا لا نظير لها للنقد الذاتي ولإعادة تنظيم البيت الداخلي برؤيته واولوياته ووسائله وحكامته. فعلى بلدنا ألا يشكل استثناء في هذه الحقيقة التي تؤكدها كل الأزمات عبر كل الدول والأحقاب، وان يستثمر كل ذكائه وطاقاته المتوفرة وكل ما أبان عنه من قوة وحكمة وحكامة واستباق وتراص، من أجل تحويل الأزمة الحالية إلى فرصة لبناء طموحات جديدة في حجم تطلعات شعبنا وبلدنا، وعافية جديدة ورؤية جديدة ونموذج تنموي جديد ومقاربة جديدة هندسية عوض الحسابية المغالطة المثبطة لحجم وإلحاحية الانتظارات المشروعة، حتى يستطيع الانقضاض بكل قوة وذكاء على كل الفرص الداخلية والخارجية غير المسبوقة التي سيتيحها الانتعاش الاقتصادي العالمي وستحملها عولمة أقل ضررا على اقتصادنا كما وستحملها إعادة تشكل الاختيارات والبنيات الاقتصادية للدول في اتجاه التحكم أكثر في طرق وزمن التزود بحاجياتها. وستبرز العلامات الكبرى الفارقة لكل هذا بداية من الأشهر القليلة القادمة. إن عدونا المشترك اليوم ليس نذرة الأموال بل نذرة الزمن وعدم القدرة على التحلل من كل العقد البئيسة التي جعلتنا نتعايش مع واقع هو من صميم انحباس اختياراتنا الاقتصادية ومن صميم تشبثنا بقناعاتنا البالية المتجاوزة التي تغلق بصائرنا عن كل الممكنات خارج مربع صنعناه لأنفسنا فاغلق حولنا الآفاق. إن أزمة كورونا وطريقة تدبيرها من طرف جلالة الملك والتفاعل التام والبديهي لشعبنا مع جلالته في كل اختياراته وقراراته، قد عرت عن الحقيقة الكبرى والأهم في بلدنا ألى وهي أن لا شيء مستحيل علينا، وأن لا شيء في غير متناولنا، وأن التقدم الاقتصادي والعدالة الإجتماعية ممكننين عندنا نحن أيضا وأن لا حتمية مدمرة إلا الرداءة التي تعمي القلوب التي في الصدور. 

نجيب ميكو
خبير في الإستشراف والدراسات الاستراتيجية