نجيب ميكو
لو قرأت إسرائيل تاريخ الحضارات ولو دقيقة في اليوم، ولو قرأت إسرائيل مجرد تاريخها الحديث لما فعلت ما تفعله اليوم بالأطفال والنساء والشيوخ والشباب المدنيين الفلسطينيين في غزة ولاستنبطت ثلاثة دروس على الأقل من هذه القراءات الضرورية :
• الدرس الأول الأعظم هو حكم إلهي يخبر بأن الظالمين حتى وإن تحصنوا بأدق التكنلوجيات وأعنف أسلحة الدمار الشامل فلن تمنعهم حصونهم من الله.
• الدرس الثاني هو “وتلك الأيام نداولها بين الناس” وأن القوة الأبدية لم تكتب لحضارة مهما بلغت قوتها وجبروتها وغلبتها وامتدادها في المكان والزمان.
• الدرس الثالث والأخير هو أن الشعوب لا تموت مهما لحقها من دمار ومحاولات إبادة. ولو كانت الشعوب تموت لكان أولها الشعب الفلسطيني لما لحقه منذ ما يقارب القرن من إسرائيل، ولاندثر يهود أوربا لما حل بهم على أيدي النازية.
على أقوياء اليوم أن يسألوا عن مآل فرعون وهامان والرومان والبيزنطيين والإغريق والأمبراطوريات الجبارة المتعاقبة وعن هتلر ومحارقه البشعة وعن موسوليني وستالين وغيرهم.
كلهم قتلوا وأحرقوا وشردوا وأهانوا وأذلوا واستعلوا ودمروا … وظنوا أنهم الأعلون إلى الأبد. “أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِىٓ أُمَمٍۢ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم”.
إن ما عاناه وتحمله وتكبده اليهود خلال الحرب العالمية الثانية على يد الأوربي المسيحي العنصري هتلر الذي كان ينتشي بتعذيبهم وإحراقهم وإذلالهم ليؤهل إسرائيل حكومة ومدنيين وعسكريين اليوم لأن يكونوا حقا رسل سلام في العالم بين كل الأمم وليس فقط مع جيرانهم الفلسطينيين. فكيف بهم أن يعيدوا كرة ما عانوه بشن حرب همجية هستيرية ضد شعب أعزل هدموا ما تبقى من دياره فوق رأسه وتحت قدميه؟!! لعل حكام إسرائيل قد أصيبوا بفقدان الذاكرة وبجنون جلاديهم السابقين.
إن قتل المدنيين الأبرياء مرفوض كليا سواء كانوا يهودا أو مسلمين أو مسيحيين أو كفارا أو لادينيين أو مجوسا لأن قتل النفس التي خلق الله محرم على أي أحد في هذا الكون إلا بموجب الحق المتوافق عليه بين الناس.
إلا أنه مهما كان قد حصل ضد المدنيين الإسرائيليين من همجية يوم سابع أكتوبر الأسود والذي اهتزت له مشاعر كل مخلوق يعتبر نفسه من بني البشر، فإنه لا يمكن بأي حال أن يكون ذريعة كافية للإنتقام من أطفال ونساء وشيوخ غزة. إن هذا الذي يحدث يوميا ومنذ أكثر من ثلاثة أسابيع في غزة الكليمة لا يشرف إسرائيل ولا يجعل سويا يفهم أو يتقبل أن الذين يقومون بهذه الهمجية الجنونية التي لا تمث للبشرية بصلة، هم أبناء وأحفاذ جيل محرقات هتلر.
فليتواضع القوي وليسارع من أجل استثباب سلم المظلوم وليس سلم القوي، عبر الإيقاف الفوري لهذا الدمار ولهذا التقتيل الوحشي والإسراع بإطلاق مفاوضات جادة ومحدودة في الزمن الهدف الأوحد الموكول لها هو إنشاء دولتين جارتين فلسطين وإسرائيل تعيشان جنبا إلى جنب في سلم وأمان وتنعمان بالسيادة والاستقلال التامين.
إن السلم لهو الجهاد الحقيقي الأوحد الذي يستحق أن يموت الناس من أجله. بل إن السلم هو أقوى تعبير عن رقي الأقوياء فاجنحوا للسلم أيها الأقوياء. أما الحرب فهي صناعة ذوي العقول المعتوهة والنفوس الحيوانية والقلوب العمياء والضمائر الميتة الذين مكانهم الطبيعي هو مستشفيات الأمراض العقلية وليس المكاتب الرئاسية والوزارية لتدبير مصالح الدول والشعوب.