نجيب ميكو
لو قرأ حاكم إسرائيل تاريخ الحضارات ولو دقيقة في اليوم، ولو قرأ حاكم إسرائيل مجرد تاريخها الحديث لما فعل ما يفعله اليوم بالأطفال والنساء والشيوخ والشباب المدنيين الفلسطينيين وبالبنايات والمدارس والمستشفيات في غزة، ولاستنبط أن الشعوب لا تموت مهما لحقها من دمار ومحاولات إبادة.
لو كانت الشعوب تموت يا حاكم إسرائيل لكان أولها الشعب الفلسطيني لما لحقه منذ ما يقارب القرن على يد أمثالك ويدك، ولاندثر يهود أوربا لما حل بهم على يد هتلر النازي الذي عينت نفسك خلفا له في زمن بؤس الإنسانية. “رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
إن ما عاناه وتحمله وتكبده اليهود خلال الحرب العالمية الثانية على يد الأوربي المسيحي العنصري هتلر الذي كان ينتشي بتعذيبهم وإحراقهم وإذلالهم ليؤهل إسرائيل حكومة ومدنيين وعسكريين اليوم لأن يكونوا حقا رسل سلام في العالم بين كل الأمم وليس فقط مع جيرانهم الفلسطينيين.
فكيف بحاكمهم أن يعيد تحت أنظارهم كرة ما عانوه بشن حرب إبادة همجية هستيرية يومية منذ أكثر من 130 يوما ضد شعب أعزل هدم ما تبقى من دياره فوق رأسه وتحت قدميه؟!!
لعل حاكم إسرائيل قد أصيب بفقدان الذاكرة وبجنون الجلادين السابقين لبني جلدته.
إن قتل المدنيين الأبرياء مرفوض كليا سواء كانوا يهودا أو مسلمين أو مسيحيين أو كفارا أو لادينيين أو مجوسا، بل هو جريمة ضد الإنسانية، لأن قتل النفس التي خلق الله محرم على أي أحد في هذا الكون إلا بموجب الحق المتوافق عليه بين الناس.
إنه مهما كان قد حصل ضد المدنيين الإسرائيليين من همجية يوم سابع أكتوبر الأسود والذي اهتزت له مشاعر كل مخلوق يعتبر نفسه من بني البشر، فإنه لا يمكن بأي حال أن يكون ذريعة كافية للإنتقام من أطفال ونساء وشيوخ غزة بتقتيلهم بسيل من قنابل الدمار الشامل التي تنهال على رؤوسهم وأجسادهم بالليل والنهار.
إن هذا الذي يحدث يوميا في غزة الكليمة على مرأى من العالم أجمع لا يشرف إسرائيل ولا يجعل ذا منطق وعقل سوي يفهم أو يتقبل أن الذين يقومون بهذه الهمجية الجنونية التي لا تمث للبشرية بصلة، هم أبناء وأحفاذ جيل محرقات هتلر.
فليتوقف بكل استعجال هذا الدمار وهذا التقتيل الوحشي وليسرع حاكم الولايات المتحدة الأمريكية بكل حزم وشدة بالإيقاف الفوري لهذه الهمجية البشعة وفي نفس الآن بإطلاق مفاوضات جادة ومحدودة في الزمن الهدف الأوحد الموكول لها هو إنشاء دولتين جارتين فلسطين وإسرائيل تعيشان جنبا إلى جنب في سلم وأمان وتنعمان بالسيادة والاستقلال التامين.
إن السلم لهو الجهاد الحقيقي الأوحد الذي يستحق أن يموت الناس من أجله. بل إن السلم هو أقوى تعبير عن رقي الأقوياء فاجنحوا للسلم يا أقوياء اليوم، يا أيها العابرون.
أما الحرب فهي صناعة ذوي العقول المعتوهة والنفوس الحيوانية والقلوب العمياء والضمائر الميتة الذين مكانهم الطبيعي هو مستشفيات الأمراض العقلية وليس المكاتب الرئاسية والوزارية لتدبير مصالح الدول والشعوب.
وإلى حين أن يرمي بك شعبك والتاريخ في مجاري المياه العادمة النثنة الكريهة في أمد قريب جدا، كن موقنا أن محارق عهدك البئيس القدر لن تأتي على الشعب الفلسطيني مهما اشتدت وامتدت وأن سلام الشجعان آت آت آت لا ريب فيه لكي ينصف كل الأطراف وينقد ما تبقى من ماء وجه البشرية.